سيدنا قدر-ميلود عرنيبة-المغرب
طنجة/الأدبية، الجريدة الثقافية لكل العرب. ملف الصحافة 02/2004. الإيداع القانوني 0024/2004. الترقيم الدولي 8179-1114 

 
قصة/نصوص

سيدنا قدر

  ميلود عرنيبة    

لاحظ الطفل ليلة السادس والعشرين أجواء غير عادية في المنزل، طقوس غير مألوفة، فالأم تطوف البيت غرفة غرفة، حاملة مبخرتها، ودخان الأبخرة يملأ سقوف الغرف، ورائحتها تزكم الأنوف، وهي تتمتم ببعض الأدعية في جو من الخشوع. تردد كثيرا في سؤالها، لكنه ثار فضوله عندما سلمته جلبابه الأبيض،  وطلبت منه ارتداءه، فتطلع إلى وجهها إ سائلا:
-ما سر هذه الطقوس يا أماه؟
أحنت عليه بقبلة حنونة وقالت له:
-الليلة يا ولدي هي ليلة القدر
قاطعها مستغربا:
-ليلة القدر! وما الفرق بينها وبين باقي الليالي؟
انحنت عليه فضمته إلى صدرها، وخللت شعره بأناملها، وهي تقول بصوت خاشع:
-في هذه الليلة يا ولدي، تفتح السماء وينزل سكان السماء إلى الأرض، لذلك نحن نحتفل بهم ونرحب بهم.
قفز من حجرها واستوى جالسا أماها، وقال بلهجة المستغرب:
-ومتى يكون ذلك، أمي؟
أجابته بنفس النبرة:
-يا بني هذه الساعة غير معروفة، لكن من سهر الليل متهجدا ذاكرا لله وداعيا يمكنها إدراكها، وحينها فإنه يكون أسعد الناس وأكثرهم حظا.
تنهدت بعمق، ثم واصلت:
-يا ولدي من أدرك تلك اللحظة وطلب ما يريد استجاب الله له.
فسألها، باهتمام ملحوظ:
-وما ذا يقول في دعائه؟
-يقول:"يا سدنا قدر تعطيني هذه الحاجة(ذك الشي اللي بغا) بلا قدر".
بدأ الليل يزحف رويدا رويدا، وفي غفلة من الجميع، غسل الطفل وجهه بالماء البارد، وتسلل إلى فناء الدار، وجلس يرقب النجوم، وهو يمني نفسه بلحظة انفراج السماء. بدأ النوم يداعب أجفانه، فتصبر وتجلد، وقاوم بشتى الطرق؛ مشى، فرك عينيه، ضرب بكفيه صفحة وجهه الفضي، ولكن إرادة النوم كانت أقوى من إرادته، فاستسلم.
عندما تفقدت الأم ابنها وجدته غارقا في النوم، وهو مسند ظهره لجدران الفناء، اقتربت منه مندهشة فسمعته يتمتم في نومه:" يا سيدنا قدر اعطيني الفلوس بلا قدر".
ضحكت حتى بانت نواجذها، ثم تناولته بين ذراعيها وأمطرته بوابل من القبل وتوجهت به إلى فراشه، وضعته على السرير، ثم تمعنت نصاعة البراءة الطفولية في وجهه الفضي الصافي صفاء الليلة المقمرة،  فرقت لحاله، وسالت دموع الحنان فرطبت خديها المتوردين، فكرت كيف ترضي هذه البراءة، وتدخل السعادة لهذه الروح الملاءكية، وبعد هنيهة اهتدت إلى فكرة تستطيع أن تسعد بها فلذة كبدها، فتحت قابضة نقودها واستخرجت كل مافيها من قطع نقدية صفراء وبيضاء، وكان عددها لابأس به، ونثرتها من حوله على السرير ثم غطته، وشيعته وهي رافعة يديها إلى السماء تدعو له بالحفظ والصحة.



 
  ميلود عرنيبة-المغرب (2012-08-18)
Partager

تعليقات:
محمد نصير /ابن جرير الصامدة عاصمة الرحامنة المغربية 2013-12-12
قصة رائعة استاذي العزيز دائمين في انتظار الجديد اشتقنا الى سماع كلامك التحفيزي
البريد الإلكتروني : mohamed-nassir@hotmail.fr

أضف تعليقك :
*الإسم :
*البلد :
البريد الإلكتروني :
*تعليق
:
 
 
الخانات * إجبارية
 
   
   
مواضيع ذات صلة

سيدنا قدر-ميلود عرنيبة-المغرب

متابعات  |   ناصية القول  |   مقالات  |   سينما  |   تشكيل  |   مسرح  |   موسيقى  |   كاريكاتير  |   قصة/نصوص  |   شعر 
  زجل  |   إصدارات  |   إتصل بنا   |   PDF   |   الفهرس

2009 © جميع الحقوق محفوظة - طنجة الأدبية
Conception : Linam Solution Partenaire : chafona, sahafat-alyawm, cinephilia